الثلاثاء، 31 يناير 2012

عن الميتافيزيقيا .. و الدكتور أحمد خالد توفيق




كنا صغارا .. مراهقات .. و لكننا كنا نقرأ و نتناقش و نتأثر و نتجادل لساعات و ساعات.
و كان مصاص الدماء و المستذئبون ثم  حسناء المقبرة و رأس ميدوسا و التاروت  ثم رعب المستنقعات ثم سالم و سلمى ثم هن-تشو كان ثم لوخ نس ثم الميتادور ثم الجاثوم و لوسيفر وكهوف دراجوستان ..

كنا طالبات في السنة الأولى من المرحلة الثانوية .. أردنا أن نعرف أكثر .. كاد الفضول أن يقتلنا .. هل هذه الأشياء حقيقة أم أن الدكتور أحمد كان يدحض وجودها كي لا يختبر فضولنا إن قيل لنا أن هذا العالم المحكي هو حقيقة.
تفتقت أذهاننا العبقرية أنا و صديقتي (الأنتيم) عن فكرة بحث .. لم لا نكتب بحثا عن الميتافيزيقيا أو (علم ما وراء الطبيعة)  بعوالمه المختلفة و بعيدا عن الدكتور أحمد و عن رفعت اسماعيل؟ 

و أتى معرض الكتاب و ذهبنا بنية استكشاف و شراء أكبر عدد ممكن و مفيد من الكتب الجادة و العلمية و التي لا مجال فيها للخيال (كانت هذه العملية صعبة آنذاك نظرا لضيق الميزانية لدى طالبتين!)
اشترينا الكتب و قسمناها .. أنت تقرأين النصف و أنا النصف (النصف الخاص بصديقتي كان عملية صعبة إذ أن هذه الكتب كانت محظورة عليها بتاتا بأمر من السيدة الوالدة)  ثم  نلخص ما قرأناه ثم نناقشه سويا .. اوكي؟ اوكي.

و كانت أول ليلة ..
و طلع النهار ..
و التقينا في المدرسة ..
و نظرت إحدانا في عين الأخرى ..
وجوم و تبلد انقلب إلى ضحك هستيري ..
عرفنا أن كلتانا لم تنم الليل و أن ما كان موجودا بين طيات تلك الكتب ليس يسيرا البتة .. و ليس مضحكا مثل رفعت اسماعيل .. وليس ممتعا مثل سالم و سلمى .. هناك أبحاث و تجارب و نتائج و صور و الكثير يؤكد و الأكثر يرفض..خرافات و حقائق علمية امتزجت سويا فأصبح من العسير الفصل بينهما ..

تعمقنا أكثر في أي شئ و كل شئ يندرج تحت علوم ما وراء الطبيعة .. أحسست بالدهشة و الفضول يسحبانني و يغرقانني في رمال متحركة بسرعة خرافية .. قسمنا البحث إلى أبواب و فصول و بدأت العناوين تتضح .. التقمص .. تحريك الأشياء بقوة العقل .. الفضاء الخارجي .. الأرواح وحياة البرزخ .. نوستراداموس و التنبؤ .. العوالم المتوازية .. قارة أطلانتس الضائعة .. حضارة كريت المنقرضة ...وحش لوخ نس ..... الخ

أصبحت المناقشات بيننا حادة و فترات الصمت تصبح أطول فأطول .. أتذكر وقتها أنه أتت فترة امتزج الواقع بالخيال تماما و تلاشى الخط الفاصل بينهما وكنا نجد العديد من الدلائل الشرعية التي تؤكد العديد من هذه الظواهر مما يؤدي بنا إلى زيادة احتمالية تأكيدها و حدوثها فعلا.

حتى أتت تلك الليلة ..
كنت قد تعودت في الفترة الأخيرة على عدم النوم .. كلما أردت أن أغفو دارت ببالي مليون فكرة أقلهم شأنا كانت قادرة على أن تجعل النوم يجافيني لليال متواصلة.
ولكنني ليلتها غفوت قليلا .. و ما إن مرت على غفوتي أقل من ربع ساعة ..
حتى قمت مفزوعة أصرخ إذ رأيت حلما داخل حلم .. من هذا الطراز الذي ناقشه فيلم (Inception) العام الماضي .. و كانت المرة الأولى التي أحس فيها فعلا بأنني خائفة.

للعلم فقط .. أنا من النوع الذي لا يخاف من أي شئ من هذه الأشياء العادية التي تخيف مع .. لا ظلام و لا حشرات ولا وسواس ولا حتى ارتفاعات و أماكن مغلقة .. لذلك كانت هذه الفزعة ناقوس خطر ينبهني إلى أنني قد أفقد عقلي قريبا جدا ..
الفقرة الأجمل أن المناقشات بيني و بين صديقتي وصلت ألى مرحلة أنه في حالة إن ماتت إحدانا فسوف نرتب الموضوع بأن تظهر التي ماتت للأخرى!

أنهينا البحث .. و طبعناه و غلفناه و أصبح تحفة بحد ذاتها .. نشرناه في معرض مدرسي و كتبت عنه جريدة رسمية عن أن طالبتين في الثانوية (مع ذكر اسمينا طبعا) قامتا بعمل بحث عالي الجودة عن علم يسمى بماوراء الطبيعة و و و .......
آرسلنا نسخة مغلفة عبر البريد المستعجل للدكتور أحمد خالد توفيق (كما تتوقعون فلم يعبر أشكالنا بتاتا و إن كنت شبه متأكدة أن البحث لم يصل ليديه أصلا).

وذات نهار .. أمسكنا أستاذ عزيز جدا .. هو قمة في الثقافة والأخلاق و الأسلوب العلمي الراقي .. سألنا عن البحث و اندهش من المعلومات التي حصلنا عليها (كنا أنا و صديقتي دودتا بحث بكل ما تعنيه الكلمة من معان) و صارحناه بالمخاوف و الأفكار التي تدور في بالنا و ابتسم .. صحبنا معه في جولة في ساحة المدرسة الفارغة و بدأ يحكي لنا عن نفسه و كيف أنه كان طالبا في السنة الثالثة في قسم الفلسفة حين حصل له بالضبط ما حصل لنا .. ولكن حالته تطورت كثيرا وانعزل عن العالم و غرق في التأمل وبدأ يبحث عن مكنون الحياة و الموت و حاصرته الأسئلة حتى وصل إلى الذات الإلهية.

حينها ـ كما أخبرنا ـ اتخذ قرارا مصيريا بأن يترك الفلسفة قبل أن تتسبب في منعه أن يحيا حياة طبيعية و انتقل لدراسة الجغرافيا .. نصحنا أن نبقى على اطلاع و لكن مثل هذه الأمور التعمق الزائد فيها قد يؤدي إلى نتيجتين : إما أن نصبح عالمتين بارزتين و نوستراداموسات العصر الحديث .. أو ينتهي بنا الحال في مصحة الأمراض العقلية! (وبالمناسبة صديقتي هذه والدتها طبيبة نفسية و تمتلك مصحا مشابها!)

ضحكنا يومها و اتفقنا أن نبتعد على الأقل مؤقتا عن هذا العالم و نسعد قليلا بالانجاز الذي حققناه .. وشيئا فشيئا عاد كل شئ إلى مجراه الطبيعي و لكنني تعلمت شيئا مهما جدا ..
هذا الأحمد خالد توفيق هو عبقري فعلا!! أن تخبر الناس بكل هذه الفظائع و بطريقة علمية و تجعلهم يموتون من الضحك في نفس القصة لهو أمر فائق العبقرية!

و بقينا نتابع رواياته إلى اللحظة الحالية . وما زلنا نتعقب مقالاته مقالا مقالا .. ومازال هذا الرجل يبهرنا أكثر و أكثر بعقليته الموزونة و بساطة إسلوبه اللامنتاهية و ثقافته واطلاعه التي تجعلك تحس أنك لم تقرأ شيئا في حياتك رغم أن أقرانك يعتبرونك دودة كتب!


بهذه المناسبة تحية حب و إجلال و تقدير و امتنان لهذا الطبيب و الكاتب الرائع .. أنت ساهمت في إنشاء جيل بأكمله يعتبرك رمزا من رموزه .. نتمنى لك التوفيق دائما و دمت ميتافيزيقيا حتى إن قررت إيقاف السلسلة!

الاثنين، 23 يناير 2012

فلسفة!!



نرنو إلى الحياة ..
هاهنا
يعلو علينا هدير الصدى 
و يمقتنا النَّوى
لم نخلق له يوماً ..
و لم يخلق لنا
ألق المساء أطلَّ علينا 
ضياءٌ ساطعٌ يهز الروحَ
أدار الرؤوس ..
و دار بنا
أردنا ترك هذا الضجيج
و لكنه لم يرد أبداً ..
تركنا
رهيفٌ كان هذا الشعور
بريشةٍ يمرُّ علينا 
يرسلنا ..
من الحياة .. 
إلى الفنا
نعود لا نبالي لوهلةٍ 
ثم نظنُّ ..
أن ما زرعه القلبُ 
هو نفسه ..
ما جنا
نهيم بابتسامة حلوة
نطير بعيدا
قلبي و روحي ..
و أنا
و نتوق إلى الأرضِ
يجرفنا الحنين 
و نرى البر منّا ..
قد دنا
هي الحياةُ نريدها
لا نريد مدحاً
أو ثنا
لا نريد من الناس شيئاً
و لا أن نسمع منهم .. 
ملامنا
لا ألمٌ .. لا وجعٌ
لا عذابٌ .. لا عنا
رأينا الكثير الكثيرْ
و ما رأيناه ..
هالنا
سكونٌ .. هدوءٌ
عذبُ الحياةِ
ذاك ما أردنا
و أرادنا
نغمضُ العين مع بسمةٍ
غداً للّه ..
و الآن لنا