السبت، 25 أغسطس 2012

عن "TED" والفرق بين أن .. وأن .. !!





قبل عدة أشهر سنحت لي الفرصة لحضور مؤتمر تيد لأول مرة و تيد لمن لا يعرفها كما ورد في ويكيبيديا:"تيد (بالإنجليزية: TED) هي اختصار لتكنولوجيا، ترفيه وتصميم (Technology Entertainment and Design) وهي سلسلة من المؤتمرات العالمية التي ترعاها "مؤسسة سابلنج الأمريكية" وهي مؤسسة غير ربحية خاصة شعارها "أفكار تستحق الانتشار".


تأسست تيد في عام 1984 كحدث لمرة واحدة. وقد بدأ المؤتمر السنوي في عام 1990، في مونتري، كاليفورنيا. كان تركيز تيد المبكر على التكنولوجيا والتصميم متوافقاً مع نشأتها في وادي السيليكون. وتعقد الفعاليات اليوم في لونغ بيتش ولونغ سبرنغ في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وآسيا مترافقة مع بث حي للمحادثات التي تتناول مجموعة واسعة من المواضيع في مجال البحث والممارسة العملية للعلم والثقافة، ويتم ذلك غالباً بطريقة سرد القصص. يعطى المتحدثون 18 دقيقة كحد أقصى لعرض أفكارهم في أكثر الوسائل ابتكاراً وإثارة للاهتمام."


بالعامية المؤتمر هو مكان وتجمع ملئ بالطاقة الإيجابية، بالنماذج الرائعة، بالأشخاص والتجارب التي تجعلك تخجل من كونك انسانا كاملا مثلهم و لم تضف للحياة شيئا بعد!


بدأ المؤتمر بعدة محادثات متميزة لأشخاص شباب أحدهم قام بإنشاء شركة ترعى الأفكار: يأخذ الفكرة من مبتكرها و يعاونه لجعلها واقعا ملموسا، أكثر ما شدني هو شكوته من الذين يأتون إلى مكتبه يخبروه أن لديهم فكرة قد تبيض له ذهبا! وحينما يتحمس و يشير برأسه انتظارا للفكرة يجيبه صاحبها: عفوا لن أستطيع أن أخبرك بها لأنني لا أثق بك و أخاف أن تسرقها! 

دوما كانت ولا زال لدينا مسألة انعدام الثقة هذه .. والمشكلة أن هذه الأفكار في النهاية يتضح أنها لم تكن لتبيض أكثر من تضييع لوقت مبتكرها و ممولها إن وجدت لها ممولا!


الفقرة الأكثر تشويقا و الأكثر إبهارا كانت عندما تقدم على المنصة شخص يدعى إيثور بيندر .. بدأ إيثور بالتحدث و كان حديثه يتركز على الثورة الحديثة في علم الميكانيك والألكترونيات وكيفية إقحام البرمجيات الذكية في كل تفاصيل الأعمال اليومية حتى أصبحت الروبوتات شيئا يمكن ارتداؤه .. وكيف أن ماكان في الأمس يعتبر معجزة أصبح اليوم واقعا ملموسا!

لم يكن هذا الكلام كله مفهوما حتى بعد تقديم عرض مبسط عن اختراعه الجديد الذي أسماه "إكسو" ولكن المفاجأة عندما بدأ في عرض تجربة حية لجهازه على المنصة .. جاء بشاب مقعد عمره ٢٤ عاما على كرسي متحرك، تحدث الشاب كيف أنه أصيب بالشلل بعد حادث مروري قبل سنتين و أنه منذ ذلك الوقت و هو حبيس الكرسي المتحرك .. قصة مكررة و معادة ملايين المرات و نراها أمامنا في كل مكان والقليل منا فقط يعرف صعوبة تفاصيل الحياة اليومية لمن ابتلاهم الله بهذا الحال!


ألبسوه الجهاز وكان عبارة عن قضبان معدنية متحركة يتم ربطها بكل سهولة على أرجل المصاب و خصره ويقوم المشلول بالقيام بكل حركات الإنسان الطبيعي بكل سهولة! يعتمد الجهاز على روبوتات صغيرة جدا تقوم بعمل المفاصل عند الركب كي يستطيع أن يثنيها الشخص و يصعد السلم و يسوق السيارة و غيرها من كل ما يمارسه الأشخاص الأصحاء.


المشهد عندما استطاع هذا الشاب أن يقوم من الكرسي و يمشي على قدميه بكل سهولة كان ملحميا! لم أستطع أن أمنع دموعي من السقوط تأثرا بالمشهد و أنا أفكر بالأمل الذي أصبح متوفرا لكل عاجز أن يعود و يمشي مرة أخرى .. ضجت القاعة بالتصفيق و وقف الجميع اعترافا بهذا الاختراع الرائع الذي اعطى البشرية شيئا سيساعد الملايين أن يتحولوا من عاجزين و طالبين للشفقة إلى أشخاص طبيعيين و منتجين في الحياة.


بعد فترة صعدت إلى المنصة دكتورة .. طبيبة حصلت على براءة اختراع لاكتشافها كيفية تحديد الخلايا السرطانية لمرضى اللوكيميا (سرطان الدم) .. كيفية توصلها لهذه الخلايا و أهمية هذا الكشف لم تأخذ أكثر من ثلاث دقائق من وقتها .. والبقية الباقية كانت عن صعوبة حياتها و هي تحاول أن تدرس الدكتوراه في بلاد الغربة و كيف تركت ابنها الصغير و دمعته على خده (وعرضت فعلا صورة لابنها و هو يبكي!) .. ومن ثم وضحت كيف أن دموع ابنها تحولت لفرحة بعد أن أصبح فخورا بأمه التي حصلت على الدكتوراه (وعرضت صورة لحفل تخرجها!) و صاحبت بكلامها لقطات من الأماكن التي شهدت جدها و اجتهادها من البحيرات التي كانت تسهر على ضفافها و هي تعاني و تبكي!!


و ختمت الدكتورة كلامها بصور عن الأماكن التي كرمتها والجوائز التي حصلت عليها و كيف تم اختيارها امرأة العام في بلدها و عرضت صورا لها و هي على غلاف مجلة أو اثنتين بالاضافة الى صور للمقابلات التي أجراها معها الصحفيون!


شتان و فرق كبير بين هذه و ذاك! بين أن تدع إنجازاتك تتكلم عنك و بين أن تعطي لنفسك أكثر من حقها .. بين أن تصبح سببا لخير البشرية و لا يعنيك هذا في شئ سوى أن تضع بصمة في هذه الحياة وبين أن تباهي الناس بانجازاتك و ترائي بها كأنك تمن عليهم بشئ أضفته لنفسك قبل أن تكون نيتك إضافته للناس!


ماكان النجاح يوما شهرة وصور .. وما كان النجاح يوما ضجة اعلامية تصاحبك أينما كنت! النجاح الفعلي هو أن تحدث تغييرا فعليا و ملموسا في حياة الملايين و أن لا تفرح بنفسك (و إن حق لك هذا) أكثر من فرحك لفرحة كل انسان سيتذكرك بأنك أنت من جعلك الله سببا لعودة الحياة إلى أطرافه!


من تواضع لله .. رفعه!