السبت، 7 أغسطس 2021

 


هل خلال حياتك العملية راودتكِ صعوبة في الإجابة عن سؤال ماذا تعمل؟ أو ماذا تحب؟
الصعوبة التي أقصدها هي أن تفكر أن الإجابة طويلة جداً!
في حالتي كانت الإجابة على هذا السؤال (إن كان الوقت يسمح) تمتد إلى عشر دقائق!

فأنا مهندسة ألكترونيات واتصالات، عملت لفترة في مجال الاتصالات ثم لعام في مجال النشر والإعلان ثم كمهندسة حقول نفطية ثم عملت في مناصب إدارية في قطاع النفط، ثم أثناء عملي في هذا القطاع عملت في مجال ريادة الأعمال وأنشأت مقهى للكتب، ثم عملت كمديرة مشاريع تصميم داخلي وديكورات وصممت ونفذت وسلمت مشروعا من الألف إلى الياء، ثم عدت إلى قطاع النفط كمديرة تطوير أعمال لمؤسسة محلية، وأثناء هذا العمل أعمل أيضًا في إنشاء وتشغيل تطبيق هاتف محمول للخدمات المنزلية! وفي أثناء هذا كله خلال 12 عاما كنت محررة متطوعة في موسوعة ويكيبيديا وترجمت مايقارب من 900 مقالة ولدي ما يسمى 19 الف تعديل، ولأجل خبرتي التطوعية هذه عملت في مؤسسة ويكيميديا التي تدير الموسوعة لمدة عام تقريبا بأجر مدفوع، وأيضا أثناء هذا كله لدي رواية تحت النشر لمدة تقارب ال4 أعوام ، وصلت إلى نهايتها وأصبح لدي بلوك كما يقولون للتنقيح والنشر أو يمكن هو خوف من أن تكون ردود الافعال سلبية لأن الكتابة مع كل ما سبق كانت وستكون الشغف الأكبر، وأكتب مقالات من حين لآخر. هل أصابكم الدوار أثناء قراءة ما أعمل؟ نسيت أن أخبركم أيضًا أن لدي طفل أكمل العامين من عمره قبل أيام، بارك الله في عمره وحياته. الموضوع ليس كما يبدو تماماً، لأن كل ما سبق لم يحدث في نفس الوقت بل حدث على مدى 10 أعوام تقريبا، و خلال هذا الوقت كان المطلعين على تفاصيل حياتي يتهمونني دائما بالتشتت وأني أشتت تركيزي ووقتي بتقسيم وقتي بين عدة أشياء، والمشكلة أنني حاولت كثيرا أن أشرح أنني بالعكس لا أشعر بالتشتت نهائيا، وأن معدل إنجازي للأشياء ومعدل تركيزي يرتفع جدا عندما يكون لدي أكثر من عمل لأنجزه خصوصا إن كانت الأعمال من عوالم مختلفة.
زوجي المسكين كلما فتحت معه موضوعًا وأنا متحمسة ينظر إلي بقلق ويقول أصبحتُ أخاف أن تنتهي المحادثة بجملة" لديّ مشروع جديد!" 😅 كعادة الحال لم يصدقني أحد، واعتقد الجميع أني أعاند وأكابر وأرفض أن "أسمع الكلام" كما يقولون وأركز في شئ واحد. إلى أن أتى فرج الله، وقبل فترة أثناء تصفح الانترنت وقع نظري على مقالة في موقع انترنت جعلتني أصرخ في مكاني يا الله هذا أنا!
المقال بدأ بعدة أسئلة على غرار: هل أنت مهتم بالعديد من الموضوعات؟
عندما تهتم بموضوع ما ، تغوص فيه بعمق، فقط لتشعر بالملل بعد أيام قليلة؟ ولاتستطيع الإنجاز إلا إذا بدأت شيئا آخر؟
هل هدفك الشخصي واسع ومتشعب أكثر من أن يتم تعريفه في جملة واحدة؟ ثم كان مكتوبا، إن كانت إجاباتك على الأسئلة جميعها نعم فتقدم لأخذ الاختبار. كان الاختبار عبارة عن 15 سؤالا، كل سؤال لديه عدة إجابات أولها كان: OMG, This is exactly me! أو بمعنى: ياإلهي هذا أنا بالضبط! طبعا لا داعي لأن أخبركم أن إجابة ال15 سؤال كانت بدون نقاش: ياإلهي هذا أنا بالضبط! ثم أتت نتيجة الاختبار وأحسست وأنا أقرأها أن هناك غرفًا في دماغي تتفتح ويدخل إليها الضوء. طلع الموضوع يا جماعة الخير أنه هناك عدد من الناس خلقهم الله بطبيعتهم ضمن نوعية تسمى Multipotentialite أو متعدد الإمكانيات.
تعدد الإمكانيات هو مصطلح تعليمي ونفسي يشير إلى قدرة الشخص، لا سيما الشخص الذي يتمتع بفضول فكري أو فني لتحقيق تميز في مجالين مختلفين أو أكثر. ويمكن أيضًا أن يشير إلى الفرد الذي تمتد اهتماماته عبر عدة مجالات، بدلاً من مجرد أن يكون قويًا في مجال واحد فقط. ويُطلق على هؤلاء الأشخاص اسم "متعددو الإمكانيات". على العكس، فإن هؤلاء الأشخاص الذين تنصب اهتماماتهم في الأغلب على مجال واحد يُسمون "متخصصين". التخصص وتعدد الإمكانيات لا يتعارضان بتاتا، قد يكون متعدد الإمكانيات متخصصا في مجال معين بحسب خبرته وعدد الساعات والمشاريع التي نفذها في هذا المجال، ولكن هذا لا يمنع أن لديه معرفة واطلاع وخبرة واسعة في مجالات أخرى كذلك.
الأمر ليس سهلا بتاتاً، في حين أن هناك بعض الخلاف فيما يتعلق بدرجة انتشار هذه الظاهرة، فإن هناك مشكلة كبيرة لهؤلاء الذين يعانون منها وهو ازدحام الجدول الزمني (وهذه هي مشكلتي الشخصية التي والحمدلله استطعت أن أتجاوزها بأن أصحو مبكرا بمساعدة المدربة الرائعة Azhare Harrachi Lassehab إن كانت لديكم نفس تساؤلاتي أو نفس نمط حياتي، فارتاحوا أنتم لستم مشتتون، أنتم فقط تركزون أكثر عندما تنجزون أكثر من شئ.

الأحد، 27 يونيو 2021

صناعة التأثير، هدى قطان وبيلا حديد تنتصران لفلسطين!

 


نتفق جميعًا أن الدنيا وأحوالها يتغيران بسرعة البرق، خصوصًا في زمننا هذا. وتصنيف الناس، وخصوصًا النساء، ضمن قوالب معينة، أصبح أمرًا شائعًا.
عادةً ما يتم النظر إلى النساء العاملات في عرض الأزياء أو التجميل بأنهن سطحيات نوعًا ما ومنفصلات عن الواقع، من الممكن أن يكون هذا نظرًا إلى أن عملهن يتركز بشكل مباشر على المظاهر وعلى تجميل وتحسين الظاهر، مما يقلل الانتباه على جوهرها، كإنسان، أو شخصيتها.
بعض هؤلاء النساء نجون من هذه المصيدة ونجحن نجاحًا كبيرًا في هذه المجالات، وفاجأن الجميع، في أصعب الأوقات، بأنهن كن أكثر تأثيرًا، وأعمق فكرًا، من مدعي العمق أو العاملين في مجالات صنع القرار في العالم. هدى قطان، أمريكية من أصل عراقي، في نهاية الثلاثينيات من عمرها، مؤسسة شركة هدى بيوتي لمستحضرات التجميل، والتي يبلغ صافي ثروتها مليار دولار أمريكي في عام 2021، هدى متزوجة من أمريكي من أصل كولومبي، وهي يوتيوبر وخبيرة تجميل، قبل أن تؤسس شركتها التي أدخلتها إلى عالم مشاهير المال والأعمال.
نرى عبر مقاطع الفيديو التي تنشرها هدى بشكل مكثف أن نمط حياتها غربي جداً، أمريكية كما الأمريكان، في هندامها، وكلامها، وأفكارها، وتربية ابنتها، وحتى في دقتها العملية.
ما فاجأ الجميع أنه في أحداث فلسطين الأخيرة في الشيخ جرّاح وغزة، حيث كان لهدى موقف مؤثر وغير متوقع في دعم القضية الفلسطينية، إذ بادرت بنشر المقاطع التي تدين "المستوطنين الإسرائيليين" لمتابعيها الذي يتجاوز عددهم 48 مليون متابع، ومن ثم نشرت عن المظاهرات العالمية التي تدعم القضية في عدد من المدن العالمية، وبعدها نشرت عن نواب الكونغرس الأمريكان الداعمين للقضية الفلسطينية.
وفي النهاية، أعلنت أنه لديها منتج جديد قد أرسلت نماذجَ منه بالفعل إلى خبراء التجميل المشاهير كي يجربوه، وأن موعد إطلاقه الرسمي قد حان ولكنها لن تعلن عنه، ولن تحتفل والناس في فلسطين يموتون والعالم غافل عنهم. وقتها تأثرتُ شخصيًا بهذه اللفتة واحترمتها جدًا، خصوصًا أن منشوراتها هذه غيّرت من وعي وآراء ملايين الناس ممن كانوا فعلًا لا يعرفون عن القضية سوى ما يصدره الإعلام الغربي الداعم لــ "إسرائيل"، ويستطيع أي شخص أن يلمس هذا التأثير من قراءة التعليقات على منشوراتها الآنفة ذكرها. شردتُ مع نفسي في حينها أفكر أنه سبحان الله، يضع سرّه في أبعد الناس عن ظنك، ويضع خيره فيمن لا قد لا تنتظر منه هذا الخير، لا تحكم أبدًا على أحد، وحده الحاكم له الحق في ذلك، وما نحنُ جميعًا سوى مخلوقات ضعيفة نحاول جهدنا أن نعمر الأرض وننصر الحق ونكشف الباطل.
المثال الثاني هو عارضة الأزياء الأمريكية – الفلسطينية الأصل، إيزابيلا محمد خير حديد، والمعروفة ببيلا حديد. عارضة أزياء من الطراز الأول وحاصلة على عدة جوائز عالمية، شابة تبلغ من العمر 26 عامًا، مع اندلاع أحداث فلسطين الأخيرة خرجت مرتدية الكوفية الفلسطينية في مظاهرات مع الآلاف في مدينة بروكلين في نيويورك، دعماً للقضية، وتنديدًا بالعمليات الإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني، بيلا يتبعها ملايين المراهقين والمراهقات في العالم، وهي مثال وقدوة في عالم عرض الأزياء الذي كما أوضحتُ سابقًا، قد يكون من آخر الأماكن التي قد يفكر الشخص أنه من الممكن أن يرى منها دعمًا لقضية إنسانية سياسية كالصراع الفلسطيني مع الاحتلال.
المدهش أن الحكومة "الإسرائيلية" بنفسها ردت على بيلا وشهّرت بها قائلة: عيبٌ عليكِ! كانت بيلا أثناء المظاهرات تهتف بأن فلسطين حرّة من النهر إلى البحر، وقد صرّح الناطق باسم الحكومة الصهيونية أن تصريح بيلا هذا هو بمثابة دعوة لإبادة دولة "إسرائيل" من الوجود، وأنها لا يجب أن تعتبر هذا الصراع فلسطينيًا "إسرائيليًا"، ولكن صراعًا إنسانيًا! يفاجئني دائمًا هؤلاء الصهاينة بمدى وقاحتهم، وكيف أنهم يتبعون بكل ثبات منهج أكذب وأكذب حتى يصدقك العالم!

أثناء الأحداث، وفي إحدى النقاشات، أخبرتُ أحدهم أنه من الأشياء التي أعتقد أن الكيان الصهيوني غفل عنها، أن هؤلاء اللاجئين الذين تم إرسالهم وتشتيتهم في كل أنحاء العالم أصبحوا الشوكة التي بدأت توخز جسد هذا الكيان، شخصية مثل بيلا، ولدت في لوس أنجلس وهي أمريكية قلبًا وقالبًا، وتعيش حياة مشبعة بكل القيم الغربية، لم يتوقع أحد أن تهتم من الأساس، وحتى إن اهتمت سيكون من المتوقع أن تصدق الرواية "الإسرائيلية" عن الصراع، ولكن ما غفلوا عنه أن أباها حكى لها، حكى كيف تم طردهم من بيوتهم في العام 1948 عندما كان طفلًا وكيف تنقلوا من ملجأ إلى ملجأ، ومن دولة إلى أخرى حتى وصلوا للولايات المتحدة. بيلا ولدت أمريكية وعاشت أمريكية، ولكن لم تنسَ الحق، ولم تتوانَ عن نشره في عصر الإنترنت بعد ما يقارب من 80 عامًا من بدء الاحتلال.
مرةً أخيرة، النساء مؤثرات جدًا، حتى وإن بدون لكم أنهن سطحيات وتافهات ومهتمات بالمظهر الخارجي أكثر من أي شيء، حين يجد الجد، تراهنّ في موقف تأثير لا يستطيع مئات الرجال تحقيقه. المعايير اختلفت في عصرنا الحالي، ومن المهم جدًا أن نطور وعينا أيضًا وأخلاقياتنا بأن نؤمن يقينًا أننا لسنا المنوطون بالحكم على البشر، وأن المواقف والأفعال هي صاحبة اليد العليا أولًا وأخيرًا.