الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

عن الخوف .. وشياطين أخرى!




هل يبدو العنوان مألوفاً؟ أين سمعت به من قبل؟؟ هل تعرف غابرييل غارسيا ماركيز؟ الكثير ممن هم حولي لا يعرفونه وبالتالي لا يعرفون أحد أهم عناوين كتبه: عن الحب .. وشياطين أخرى!

هل تعلمون أنه مؤخراً تم إصدار عملة ورقية في كولومبيا تحمل صورة ماركيز؟ لماذا؟ لأنهم بشر يميزون الصالح من الطالح ويعرفون مستحقي الصيت من عدمه بينما لا تسمع في عراق الآن سوى عن عبعوب وفي مصر الآن عن اللواء عبدالعاطي!*

ما علينا!

المهم أنني وللأسف أختلف مع السيد ماركيز في نقطة صغيرة، الحب ليس شيطاناً ولا يُحسَب على الشياطين، شيطاننا الحقيقي الذي يُسَيّر كل مجريات حياتنا عكس ما نريد هو الخوف.
الخوف الذي و دون وعي عند معظمنا أصبح مفردةً يومية تستخدم في كل شئ وتلقي بظلالها على كل شئ.

الخوف من ماذا؟ من أي شئ ومن كل شئ! فكر معي لمدة دقيقتين واسأل نفسك من ماذا أخاف؟ سترى أن أغلبية الناس سيجيبون كالتالي:
أخاف مما قد يحمله الغد
أخاف أن يتركني من أحب
أخاف أن لا أجد أحداً يحبني
أخاف أن أكمل حياتي تعيساً
أخاف أن لا تتحسن حالتي المادية وأن أزداد فقراً
أخاف أن أمسي فاشلاً
أخاف أن أموت
أخاف أن ....... (أكمل بما يأتي في بالك أو بما تسمعه من غيرك)

المشكلة أن ثلاثة أرباع ما نخاف منه لا يد لنا فيه، بمعنى أن ما يحمله الغد لن تعرفه حتى ولو أنفقت ما في الأرض خوفاً! ومن تحب قد يتركك في أي لحظة ولن تستطيع فعل شئ لأنه إنسان آخر ولا حكم لك على أفعاله، أن لا تجد أحداً يحبك هو نتيجة طبيعية إن لم تكن أنت تحب نفسك في الأساس! فيزياء!

الموت كذلك آتٍ آتٍ لا محالة ولا يد لمخلوقٍ فيه، تبقى الأشياء التي لك سلطةٌ ما عليها و هي: تعاستك ووضعك المادي بالإضافة إلى فشلك، وهذه كلها العائق الأول لها هو الخوف.

فكر في كمية الأوقات التي قضيتها وأنت تخاف من شئ ما، لو كان هذا الشئ حدث و تصرفت و بدأت من جديد بعدها لكان أفضل لك! لا شئ يمتص طاقتك ووقتك و يستهلك أعصابك مثل الخوف.

تخاف من شخص؟ واجهه. أعلم أنه أحيانا تكون المواضيع معقدة جدا وليست ببساطة الكلمات و أن الذي يده بالنار ليس كالذي يده في الماء و و و و 
ولكن عن تجارب حياتية عديدة حدثت لي، لم يزدها الخوف إلا سوءاً، تخاف أن تنتهي حياتك إن حدث الشئ الفلاني؟؟ الجملة نفسها خاطئة! الحياة عامةً و حياتك أنت خاصةً لا تنتهي لأجل شخص ولا لأجل وظيفة ولا لأجل موت ولا لأجل أي شئ. الحياة ستستمر غصباً عنك سواءاً تقبلت هذه الحقيقة أم لا!

في مرة تناقشنا مطولاً أنا و صديقة لي عن كيف أن الشعور بأن حياة كل من حولك ممكن أن تستمر بسلاسة و طبيعية بعد موتك، أنا كنت أشرح لها أنني كلما فكرت في هذا الشئ انتباتني غصة حين أشعر أن حياتي إن مت ستختفي ولن يتذكرني أحد، ولكن صديقتي أقنعتني بالعكس تماماً، أنه يجب أن تتقبل أنه هذه هي الحقيقة بالفعل وهكذا كانت منذ الأزل وهكذا ستكون إلى الأبد. 

تقبل أنه بمجرد موتك كأنك لم تكن وكل تفاصيل حياتك و الطاقة التي تنشرها الآن وأنت تتحرك و تفكر ستذوي و تدفن معك إلى يوم القيامة وبالتالي عند استيعابك هذه الحقيقة وتصالحك مع نفسك بخصوصها ستتأكد أنه لم ولن ينفعك إلا نفسك ولا خوف يجدي في هذه الحياة سوى الخوف من الله.

هذا ليس مقالا عن أحد مواضيع التنمية البشرية أو تحسين حياتك أو أو، ولكن ببساطة اكتشفت فجأة أنه حتى في حياتنا اليومية نكرر ونعيش مفهوم الخوف كثيراً دون أي داعٍ، في العراق كلمة أخاف نستخدمها كثيرا في كل شئ، مثلا إن كنت في حوار مع أي شخص وتنتظران أحداً، أول جملة ستقال هي: أخاف مرح يجي؟؟ أخاف ننتظر هواية؟ أو عندما يعرض عليك أحدهم فكرة مشروعٍ ما، أول طريق المناقشة سيكون: أخاف ديضحكون علينا؟ أخاف كذب كله؟ أخاف أخاف أخاف أخاف حتى أصبحت حياتنا تدور حول الخوف الذي هو شيطاننا الأكبر في الأرض والذي لا تحلم شياطين السماء بأن تحصل على سلطته و قوته علينا.

يوما ما قال نجيب محفوظ: الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة. وقال الغزالي: الناس من خوف الفقر في فقر ومن خوف الذل في ذل!

المشكلة أننا نعرف ذلك ولكن كعادتنا في كل شئ لا نطبق ما نعرف كي نبقى ندور في نفس الدوامة و نلوم كل شئ حولنا عدانا رغم أننا المتحكم الأول والأخير في حياتنا.
كنتيجة حياتية جديدة في نهاية سنة وبداية أخرى، أصبحت مقتنعةً جداً أنه كما قال فرانسيس بيكون: لا يوجد شئ مخيف في هذه الحياة سوى الخوف نفسه!



* عبعوب هو شخص من المفروض أنه صاحب منصب في العراق ولكنه لا يمثل سوى تفاهة البشر حين يختلط لديهم الجهل بالشر!
* اللواء عبدالعاطي صاحب الاختراع الوهمي الكبير في مصر (جهاز معالجة فيروس الكبد) والذي أيضا يمثل البشر حين يختلط لديهم الجهل بالشر!

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

واقع لا يشبهني




لا أريد هذه الحياة يا أمي ..
لا أريدها نهائيا .. لا أريدها بتاتا .. لا أريدها إطلاقا .. لا أريدها البتة!

لم يكن هذا اتفاقنا .. ولا هذا ما وافقت عليه وأنا اكبر شيئا فشيئا، ولم يكن هذا ماوعدت به نفسي.

دعينا نتفق يا أمي .. أنا لا أستطيع أن أغير العالم، أليس كذلك؟؟ متفقين. ولكنني بالطبع أستطيع أن أحدد المحيط الذي أحيا فيه.
حياتي يجب أن تكون ممتلئة بنقاشات حول آخر إصدارات الكتب، لوحة جديدة لرسام مغمور نتوقع أن "تكسر الدنيا"، أشخاص يتشاركون متعة تذوق وطبخ الطعام الإيطالي، أشخاص يحبون الجميل من الماضي ويبخسون قبيحه، أناس يفرقون بين الحق والباطل ويتفقون على الأقل أن الدم كله حرام.

من أين أتت كل هذه الفوضى؟ أين و متى سيطر أصحاب المصالح والنفاق على كل شئ هكذا ؟؟ متى استطاعت قوات الشر اكتساح العقول بهذه القوة وهذا الإقناع؟؟ متى أصبح القتل عارضا جانبيا في حياة الأمم؟؟ هل تحولنا إلى حيوانات ونحن لا ندري؟ أم أن الزواحف هي صفتنا الحالية و نحن نرى من يزحف بكل تقزز فوق دماء الناس ويهلل لمريقيها؟

أتوق إلى الجمال يا أمي .. هل أطلب الكثير؟ بالله عليك هل أطلب الكثير؟؟ جمال الله في خلقه .. جمال الخلق في تكوينه .. جمال الفكر حين يحول المحبة إلى عبق يتطاير بين الناس .. جمال الأرواح التي تنشر عنفوانها كرحيق ينقله النحل بين زهرات بيضاء، جمال العقل حين يحتفي بأعظم نعم الله وهو يستخدمها .. العقل الذي لا يحتاج إلى دين ولا مذهب ولا قومية ولا لغة ولا جنسية ليعرف أن دم الإنسان على الإنسان حرام دون وجه حق. وأن من يساند و يبرر للقتلة هو قاتل مثلهم ولكن لم تسنح له الفرصة كي يتقلد سلاحا يحيي به من يشاء من عباد الله و يميت به من يشاء.

الجهل يا أمي، الجهل الذي يوجع قلبي كلما أراه أمامي كل دقيقة، ليس الجهل الذي لا نفهمه إلا كشئ يساوي الأمية، إنما الجهل الأكبر، الجهل الأعظم الذي يجعل الأمم تودي بنفسها إلى أعماق الهاوية، الجهل الذي يجعل العبيد يمسكون بالمظلات حين تمطر السماء عليهم حرية، الجهل الذي يجعل الإنسان أسيرا لإنسان غيره فقط لأن الأخير طاغية!

حزينة أنا يا أمي، لم تعتادي مني الحزن أليس كذلك؟ ولكنني حزينة فعلا، ذلك الحزن المترفع الذي لا أحب أن أظهره لغيري، حزينة لأن الفوضى اكتسحت العقول قبل الميادين، حزينة لأن المنطقة الفاصلة بين الصح والخطأ ، بين الحق والباطل أصبحت ضبابية للغاية.

صادمة هي الحقيقة، أليس كذلك؟ لا تهتمي كثيرا. اهتمامك هو ما يعطي للأمور حجمها، وغالبا ما يكون هذا الحجم مغايرا جدا للحجم الحقيقي.

لا تخافي يا أمي عليّ .. لست أنا من تكسرني الدنيا أو تتملك مني الهموم .. غيري لديهم كل شئ وأنا لدي الله .. هو سندي يا أمي في هذه الدنيا وهل أعزّ من الله سندا؟!



الأحد، 22 يونيو 2014

لا ياولدي .. إنه العراق! (2)





تعال يا ولدي أفضي إليك بحزني، أين ذهبت ياولدي؟ ناديت عليك كثيرا ولكنك لم تسمع! تعال أخبرني مالذي يحدث في عراقي؟ ماهذا الجنون المستعر الذي أراه؟ ماهذه الفوضى ولماذا اختلط الحابل بالنابل بهذا الشكل المريع؟ احكي لي ياولدي .. أنا لا أثق بأية قناة فضائية أشاهدها، كلٌ له أجنداته الخاصة ومصالحه التي يحور الأحداث لصالحها ولا أثق بأية صحيفة ولا أثق بأي مسئول وأصبحت أيضا يا ولدي لا أثق بالأغلبية العظمى من الناس لأنهم فجأة تحولوا كلهم إلى كائنات حقودة بغيضة تلعن الطائفية في علنهم و قلوبهم و تصرفاتهم معها في سرهم!
احكي لي ياولدي .. من ضد من؟ ومن مع من؟ حرب أهلية؟ هل أنت جاد؟ يابني هذا شعب عاش سبعة آلاف سنة مع بعضه البعض، لماذا يريدون منه الآن أن يقتل بعضه بعضا؟؟ لا يابني أنت مخطئ .. دعني أنا أحكي لك شيئاً ..
قبل يومين أتاني شخص ممن أحسبه عند الله معتدلا و عاقلا ومثقفا، أتى يشتكي لي أن القوات الحكومية في العراق التي يتمثل معظمها من الشيعة قد قتلوا قريبا له كان قد اعتقل قبل الأحداث الأخيرة كونه سني يشتبه في مؤازرته للفلم السينمائي المسمى داعش، حين تدهورت الأحداث في منطقته، دخل الجندي المسئول عن هؤلاء الموقوفين و أرداهم قتلى برصاصات مباشرة في الرأس، عمر أكبرهم لا يتجاوز الخامسة والثلاثون و معظمهم لديه أولاد و عائلة يعيلها.
أخبرني هذا الشخص بحرقة أن كيف تريدني أن أبقى محايدا و أنا أعلم أن فلان ابن فلان الشيعي قتل قريبي لا لشئ فقط لأنه سني كان تحت رحمته؟ كيف تنادي بالوحدة ونبذ الطائفية وأنا أوقن تمام اليقين أن هؤلاء لا عيش لهم مع هؤلاء مرة أخرى؟ هل تعرف بماذا أجبته ياولدي؟
أجبته أن المشكلة بأكملها في العراق تكمن في هذه النقطة! في التصنيف نفسه .. هذا الشخص حين قتل، قتل لأنه مجرم وشرير وفاسد. لا يهم ما قوميته، إن اختلف يوما مع صديقه الشيعي أيضا سيقتله! القاتل هو شخص قرر أن يأخذ حقا من حقوق الله و ينسبها لنفسه عندما يقرر أن يزهق روحا بيديه، لا يهم إن كان هذا الشخص وثنيا، هندوسيا، مسيحيا، مسلما، سنيا، شيعيا، كرديا أم عربيا!
القتل هو القتل يا ولدي، القتل هو الجريرة الوحيدة التي قال عنها الله في القرآن (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه و لعنه وأعد له عذابا عظيما) .. إنتبه يا ولدي .. يقول الله مؤمنا وليس مسلما، والإيمان هو ما وقر في القلب ولا يوجد هناك بشر على وجه الأرض يستطيع أن يعلم علم اليقين مافي قلب بشر آخر.

لهذا ياولدي أخبرت هذا الشخص إن فكرت يوما أن تأخذ حقك حتى بعيدا عن القانون، خذه من الشخص نفسه لأنه قاتل ومجرم و سئ، لا لأنه شيعي أو سني أو كردي أو عربي، لا تكن مثلهم يا ولدي!
مالم يتخلص العراقيون من هذه العقلية يا ولدي لن تقوم لهم قائمة أبدا، مالم يتخلصوا من تمجيد شخص أو جهة، مالم يتخلصوا من دعم دولة دون أخرى متناسين أن كل الدول عمارها في خرابهم!
كيف تتبع شخصا يريد أن يمسك بكرسي الحكم يا ولدي لأكثر من 8 سنين؟؟!! مافرقه عن صدام الذي تباكينا وقلنا أن دكتاتوريته لم ترد على وجه البسيطة؟! كيف تتبع إرهابيين تراهم رأي العين يحيلون الدنيا جحيما في دولة مجاورة لك و ينصبون أنفسهم قضاة مكان الله يحكمون على الناس من في الجنة ومن في النار؟
كيف تتبع أناسا يدعون للكراهية والانتقام؟؟ كيف تتبع أناسا يدعوك لقتل الآخرين بحجة التطهير من الإرهاب؟ كيف تتبع أناسا يريدوك أن تنضم لهم وتقتل الآخرين لأنهم يوالون حكومة طائفية؟؟!! لا تتبع أحدا يا ولدي .. لا تتبع أحدا!

لقد أهداك الله أعظم شئ في هذا الوجود، أهداك عقلا لم تستطع أكثر الأجهزة المتطورة في عصرنا هذا محاكاة ابتكاره وتفكيره و ردود أفعاله
فكر يا ولدي، فكر بقلبك قبل عقلك، فكر بالله، فكر بالمحبة، فكر بالحق، فكر بالعدل، فكر بالخير، فكر ولا تعطهم عقلك ليفكروا بدلا عنك!

فكر يا ولدي وتأكد أنه لا تزر وازرة وزر أخرى!
لا تزر وازرة وزر أخرى يا ولدي!