الجمعة، 24 فبراير 2012

حكاية عن ...







لماذا تفاجئنا أحيانا هذه القطيعة بيننا وبين القلم؟ ألأننا كلما كبرنا و مضت بنا الأيام صرنا أقل بوحاً؟ أم هو ملل خانق يشعرك بأنه لا شئ مما يحدث يستحق الكتابة لأننا ببساطة نحيا في زمن نادرا ما تحدث الكلمات فيه فرقاً .. بل و قد تحسب عليك لا لك في معظم الأحيان.
المهم أنني الآن أريد أن أكتب .. ولكن أن تمتلك تلك الرغبة هي الجزء السهل من الموضوع .. حيث أن أصعب جزء هو عن ماذا تكتب؟ 


كنت ولا زلت دوما أريد أن أكتب عن كل شئ! أريد البوح بما يعتمل في نفسي من أفكار تجاه أدق التفاصيل في هذه الحياة .. لدي في جعبتي حكايا كثيرة .. كثيرة جداً لدرجة أني لا أدري بأيها أبدأ؟!
اعتقدت دائما أن خوفي من أن تكون كلماتي و ما أكتب مملة هي ما أبعدني عن القلم لسنوات.


لا أظن أنني سأبدع إن كتبت عن قرية خيالية و أجيال متلاحقة من التغييرات .. ولن أكون أول من يكتب في نوع معين من الأدب كأدب الرعب .. و أيضا لست ممن يستطيعون حشو كتاباتهم بأسوار شائكة و مواضيع حساسة بهدف جذب اهتمام القارئ و اتباع قاعدة خالف تعرف! 
ما أعرفه و متأكدة منه أن ما خرج من قلبك و بملء أحاسيسك سيصل أيضا لكل القلوب على الطرف الآخر .. قاعدة!
و بالتالي لنختصر الطريق و لا نسهب في المبررات لأنني سأكتب عني! أعطيك سبباً واحداً وجيهاً لهذا القرار و هو أنه لا أحد يعرف عني أكثر مني .. و أنه هناك كمية حكايات و تناقضات و تفاصيل في حياتي قد - و أؤكد قد - تختزل آراء و معاناة و تفاصيل حدثت في حياة العديدين ممن يشبهون جزءا مني في أزمنتي السابقة حينما لم أكن أجرؤ في الكتابة عني!


قبل كل شئ .. السطور الآتية - و التي ستستمر إلى أن يأذن الله - ليست سيرة ذاتية و ليست رواية و بالطبع ليست خيالاً علمياً! كل ما في الأمر أنها حكاية أحداثها و أبطالها و تفاصيل ملامحها واقعية مائة في المائة و على مسئوليتي الشخصية.بالطبع أنت تدرك أن معظم الأسماء لن تكون حقيقية إحتراماً لخصوصية أصحابها وبالطبع أيضاً لن أتطرق إلى التفاصيل الشخصية لأي من الأشخاص المذكورين من ضمنهم نفسي!


باختصار .. كل ما أريد البوح به هو حياة حقيقية تتكرر أحداثها كثيرا بين جدران عديدة في بلدان مختلفة عشت فيها و خالطت أهلها مخالطة قريبة و مرت أيامي كأني واحدة منهم .. عرفت الكثير الكثير مما يخالف الأفكار المغلوطة عن هذه البلدان.
قد يكون ما أكتب مملاً .. و قد يكون لا أهمية له .. و قد يحمل شيئا صغيرا يهمك .. لكن كل ما أريد هو أن أشاركك بعض ما لديّ لعل و عسى أن يجعل البوح حياتنا أجمل و أحلى.
هي حكاية روح .. حكاية حلم .. حكاية أمل ..


فلنبدأ إذاً .. بسم الله الرحمن الرحيم 




حكاية عن ..
فتاة عراقية (تحب مصر) بين العراق و اليمن و الخليج العربي


-١-

ولدت في مدينة أربيل عاصمة شمال العراق أو إقليم كردستان كما أصبحت تسمى الآن .. تنشقت أولى أنفاسي في الخامس عشر من شهر مايو .. لن تهمك السنة ولكني مازلت شابة و صغيرة فعلاً!
من يراني أكتب بالعربية الآن و أعشقها بهذا البذخ لن يصدق أنني لم أكن أتكلم العربية إطلاقا وبتاتا قبل سن خمس سنوات ولم أكن أعرف حرفا واحدا من اللغة العربية.
والدتي كردية و والدي عربي .. ولكنهما التقيا و تزوجا بين الأكراد ،، ولم يكن لدي في أوائل سنين حياتي من أكلمه بلغة غير الكردية ..

في سن الخامسة دخلت إلى روضة الأطفال و سرعان ما تركتها بعد ستة أشهر لأدخل المدرسة في سن مبكرة (قبل موعدي المقرر بسنة) و هنا كان قرار أهلي بأن يدخلوني في مدرسة عربية ،، وذلك لأنهم أرادوني أن أتعلم اللغة بدلا من أن أتقن الكردية و لا أفقه في العربية شيئاً !! 
مساكين لم يكونوا يتوقعون و يتصورون ما هو آت .. في أول أيام دراستي في المدرسة و انا ابنة خمس سنوات اندلعت حرب الخليج الأولى بعد اقتحام صدام للأراضي الكويتية!! (أعتقد أنك عرفت  في أي سنة ولدت؟!)

أنا عن نفسي لاأذكر شيئا عن دخول صدام للأراضي الكويتية .. كل ما أذكره هو عدة لقطات سأحكيها لك بعد قليل .. ولكن التفاصيل التي وردتني هي من أمي و أبي و أقربائي و أصدقائنا .. الكل يتفق أنهم صدموا بشدة حينما سمعوا من نشرة الأخبار بخبر غزو صدام للكويت .. لم يكونوا قد تعافوا بعد مما حل بهم من ويلات الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات و حصدت من أرواح الشباب العراقي ما يزيد عن مئات الآلاف دون ذنب لهم أو خطيئة سوى أن مريضا نفسيا محبا للحروب قرر أن يزج بهم في تصفية حسابات لا ناقة لهم فيها ولا جمل!
خالي و عمي كانا مجندين في الجبهة و والدي  كان من المجندين الإجباريين في ما يسمى الجيش الشعبي و هو جيش يتكون من أشخاص غير مدربين و ممن هم على الأغلب تعدوا سن الثلاثين و صدر لهم عفو من الخدمة العسكرية حسب القانون آنذاك مع ملاحظة أن والدي في تلك الأيام كان أستاذا في الجامعة و كان عائدا لتوه من منحته لدراسة الدكتوراه في المملكة المتحدة!


هناك العديد من الحكايات الطريفة أو بالأصح - المضحكة المبكية- التي يحكيها خالي و عمي عن الحرب العراقية الإيرانية كان عمي في ذلك الوقت يعمل كمساعد مخرج في التلفزيون العراقي ، و كان الآمرون عليهم في الجيش هم من رجالات حزب البعث الأشداء - هنا لا تعني الكلمة القوة و الشجاعة ولكن تعني الخسة و الدناءة و التسلط و كل مرادف يأتي ببالك لهذه الكلمات - و كانت الإجازة حلماً غالياً يراود كل مجند في هذه المعسكرات ولكن لم يكن الجميع قادرين على دفع ثمنها حيث أن ثمنها لا يقف عند النقود فقط و لكن كل ما تستطيع أن تشتري به ذمة من يرأسك مباح!

صدف أن ابنة آمر عمي في الجيش .. الإبنة المدللة له كانت تعشق نوعا معينا من أفلام الرسوم المتحركة و بسبب جو الحروب و بيانات السيد الرئيس القائد التي كانت تبث تباعا لم تكن هذه الحلقات تبث بانتظام و كان يتم اقتطاع اجزاء كثيرة منها كي يكفي الوقت ليشجي الرئيس شعبه بأنباء انتصاراته المهولة على العدو الغاشم!!
لهذا استطاع عمي أن يحظى بإجازة مقابل المجموعة الكاملة لهذه الرسوم المتحركة مهداة لابنة الضابط المهاب! (لاحظ أنني أتكلم عن بداية الثمانينات حيث لم تكن حتى شرائط الفيديو شيئا شائعا و كانت هذه الأفلام حكرا على أرشيف التلفزيون العراقي هناك).




يتبع ..... 

هناك 3 تعليقات:

  1. عجبني جدا الاسلوب المنفرد والمتميز دائماً
    وان شاء الله موفقة وننتظر المزيد

    ردحذف
  2. ربنا يخليك يا عبد الرحمن :)

    ردحذف