الاثنين، 27 فبراير 2012

حكاية عن .... (٢)


وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع ..
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يربها الرفات بالندى
و أسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر
مطر

مطر

كيف علمت -رحمك الله- أنه ما مر عام و العراق ليس فيه جوع ؟؟ هل تعلم أنه منذ أن أتيت أنا إلى هذا العالم إلى الآن ما مر عام و العراق ليس فيه دم يراق؟؟ 

إلى أين وصلنا؟ نعم .. الحرب العراقية الإيرانية .. حرب الخليج الأولى .. قادسية صدام (الزفت) .. الدفاع المقدس (كما تمت تسميتها في إيران) .. أسماء عديدة لمجزرة من الطراز الأول! في أوائل سنين حياتي كان اسم هذه الحرب مبهما في بالي .. لم أعرف عنه الكثير حتى منّ الله علينا بهذا الاختراع الجميل المسمى بالانترنت .. غصصت غصة مريرة و أنا أقرأ أن أقل التقديرات لعدد القتلى في هذه الحرب هو مليون قتيل!! مليون شخص (أغلبهم شباب) دفعوا حياتهم ثمنا للاشئ!! لا شئ على الإطلاق! شخصان اثنان أحبا أن يعاندا بعضهما و كل منها يثبت أنه الأقوى فضحيا بمليون روح و بقيا هما على قيد الحياة!!
حرب استمرت ٨ سنين .. حرب استمرت ٩٦ شهرا مما جعلها النزاع العسكري الأطول في القرن العشرين!! يا فرحتي! نحن لسنا بالشئ الهين .. دخلنا التاريخ من أوسع أبوابه كالشعب الأرخص دما!
مليون شهيد الجزائر كانت لطرد الاحتلال الفرنسي من بلدهم .. كانت مجدا و استشهادا .. ولكن ما فعله صدام (و أكرر -الزفت-) هو مجزر أفلتت من براثن التاريخ.
جيلنا هذا لا يعرف شيئا عن هذه الحرب ولا حتى أنا كنت أعرف عنها شيئا .. إن لم تبحث عنها لن تصلك أخبارها .. تذكرت بيتا شعر محببان جدا إلى قلبي كنت أكتبهما في أغلب الأحيان على آخر صفحة من دفاتر المدرسة ..

ولما صرت في سن جدي 
و نظرت إلى مجد العراق 
صرت أعرف لماذا؟
دم مليون شهيد ..
لسعفة نخل يراق!

هل تستحق سعفة النخل هذه دم و أرواح مليون شهيد؟؟ لا أدري.
العراق .. الوجع الأكبر و الحزن الأعظم و لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا!

بعد سنتين فقط من انتهاء هذه المجزرة قرر السيد الرئيس القائد صدام (الزفت) أن يدخل في حرب أخرى مع دولة أخرى .. غزا الكويت .. و حصل ما حصل .. 

بعد أكثر من عشرة أعوام على غزو الكويت .. في مكان آخر تماما .. مدرسة مصرية (ذكرها الله بخير) .. في مدينة يمنية .. تحكي لطالباتها اللواتي بينهن فتاة عراقية .. تحكي لهن عن غزو الكويت (و الذي لم يكن موجودا في المقررات المدرسية) بالعبارات التالية نصا:
(إنتو ما تعرفوش العرائيين عملوا إيه في الكويت؟؟ دول كانوا بيدخلوا البيوت و يخرجوا الطفل من بطن الست الحامل بإيديهم .. دول كانو وحوش .. ده لو كفار مش هيعملوا اللي عملوه)
أتذكر وقتها إنني رفعت يدي و أخبرتها بصوت متهدج : لو سمحتي يا أبلة صدام و جيشه هم من غزوا الكويت و ليس العراقيون.
أجابت : ( و هما جيش صدام دول مش عرائيين؟؟ ياختي دول لو كانو يهود ماكانوش عملوا كده .. بنتكلم عاليهود ليه لما احنا فينا اشكال زي دي!)

جائزة كبيرة جدا لمن سيعرف ما الذي كنت اشعر به في تلك اللحظة بالذات؟! بغض النظر عن أن غزو الكويت هو كارِثة إنسانية و بكل المقاييس و لم يترك بصمتها على العراق إلا (الزفت) صدام ولكن أن تحترم مشاعر من هو أمامك من أساسيات الأخلاق!

لم أكن أبدا من محبي الدخول في سجالات و مهاترات لا طائل منها مع عقليات أنت تعرف مسبقا كل ما سيتفوهون به! ولكن اعتقدت منذ الأزل أن المشكلة الرئيسية التي أوصلت العراق إلى ما هو عليه هو الجهل! ليس الجهل العلمي و الأدبي فالعراقيون كانوا ولا زالوا من أكبر من يشار إليهم بالبنان في العلوم و الثقافة و لكن ما أقصده هو الجهل السياسي .. الجهل الديني .. الجهل العنصري .. الجهل الاجتماعي ...... الخ.

ليس العلم قراءة و كتابة .. و ماكان العلم يوما شهادة تحصل عليها من جامعة ما و تعلقها على الحائط أمامك .. اسأل نفسك قبل أن تناقش ماذا قرأت؟ من أين حصلت على معلوماتك هذه؟ إن كان جوابك الأول هو : سمعتهم قالوا .. فاقرأ على نفسك السلام.
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
رحمك الله يا سياب .. كنت عبقريا فاق عصره حين قلت:

أيخون إنسان بلاده؟

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون؟

إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟

الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام

.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق


يتبع ...

هناك 7 تعليقات: